منذُ أنْ عرفتُها لا أنامُ الليلَ ، ولا أتذوَّقُ طعامًا ، ولا أُطيقُ أنْ أسمعَ كلمةً مِن أحـد . أصبحَت تَشغلُ كُلَّ تفكيري لدرجةِ أَنِّي أصبحتُ وحيدةً مُنعزلةً عن الناسِ حولي ، بلا علاقاتٍ ولا صديقات . كُلَّما كلَّمتُها شعرتُ بسعادةٍ غامرة ، ووَدِدْتُ أنْ لو كانت بالقُربِ مِنِّي . أَغارُ عليها مِن نِسمةِ الهواءِ إنْ لامَسَتْها ، وأحترِقُ مِن داخلي إنْ رأيتُ فتاةً غيري كلَّمَتْها . حياتي بدونِها سراب ، وبُعـدُها عَنِّي عـذاب . إنْ غَضِبَتْ مِنِّي يومًا مَرِضْتُ ، وإنْ لم تَرُدّ على اتِّصالي بَكَيْتُ ، وإنْ لم أَرَها يومًا تضايقتُ سائِرَ يومي وحَزِنْتُ . هِيَ الشَّمْعَةُ التي تُنيرُ حياتي ، وهِيَ أغلى صديقاتي . لا أتَخَيَّلُ حياتي بدونِها ، وأَوَدُّ لو أهْجُرُ العالَمَ بأسْرِهِ وأبقى بٌقربِها .
هـذا ما قالتْهُ ريـم ، و أمـلُ تنظرُ إليها مُتَعَجِّبَةً مِمَّا تسمع .
ثُمَّ قالت : ماذا جَرَى لَكِ يا صديقتي ..؟! ما هـذا الكلامُ الغريبُ الذي أسمعهُ مِنكِ ..؟!
ريـم : سأموتُ يا أمـل إنْ لم تُكَلِّمني .
أمـل : لهـذه الدرجـة ..!! ومَن تقصدين بكلامِكِ ..؟!!
ريـم : أقصِـدُ صديقَتَنا رحـاب .. أُحِبُّها يا أمـل ، ولا أستطيعُ الاستغناءَ عنها أو كِتمانَ مشاعري نحوَها .
أمـل : رحـاب ..!!!
ريـم : نعم ، رحـاب ، لكنَّها لا تُعيرنُي اهتمامًا .
أمـل : وهـذا أفضــل .
ريـم : ماذا : / ..؟ لم تكُن رحـاب هكـذا مِن قبل ، بل كانت تُحِبُّني ، وتَسعـدُ عند سماعِ صوتي ، وتأتي إليَّ وتزورُني في بيتي . لم تكُن أبـدًا بهـذه القسوةِ التي هِيَ عليها الآن .
أمـل : بالعكس يا ريـم ، رحـاب فتاةٌ طيِّبـةٌ جـدًا ، وليست قاسيةً كما تزعُمين .
ريـم : ولِمَ تتصرَّفُ معي بهـذه الطريقة ..؟!! كُلَّما اتَّصلتُ عليها لم تَرُدّ عليَّ ، ورُبَّما أغلَقَت جوَّالَها ، وإذا ذَهَبْتُ لِزيارَتِها تركتني أجلِسُ مع أُمِّها بحُجَّةِ أنَّها مُنشغِلَة . دائمًا تتهرَّبُ مِنِّي ومِن الحديثِ معي .
أمـل : لقـد أَحْسَنَت صُنعًا ، فـ رحـاب فتاةٌ عاقِلة ، مشاعِرُها مُتَّزِنة ، لا تفعلُ إلَّا ما تراه حقًّا ، وما تفعله معكِ لا يعني أنَّها تقسو عليكِ أو تُبغِضُكِ ، فهِيَ تُحِبُّكِ ، ولا تُريدُكِ أنْ تتعلَّقي بها بهـذه الدرجة التي وصلتِ إليها .
ريـم : لا ، لا تُحِبُّني .
أمـل : بل تُحِبُّكِ ، وتُريدُ أنْ تبقى عِلاقتكُما قائمةً على الحُبِّ والأخوَّةِ في الله ، بلا إفراطٍ ولا تفريط . رحـاب مِن أقرب صديقاتي إليَّ وأنا أعرِفُها جيدًا .
ريـم : لكِنَّها تُعامِلُكِ بلُطفٍ وتتودَّدُ إليكِ ، ولا تفعلُ معي ذلك .
أمـل : تعرفين يا ريـم حديثَ السبعةِ الذين يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه ..؟
ريـم : نعم ، أعرفه .
أمـل : في الحديث : (( ورجلان تحابَّا في اللهِ ، اجتمعا عليه ، وتفرَّقا عليه )) .. هـذا أساسُ عِلاقتِنا أنا و رحـاب ؛ نُحِبُّ بعضَنا في الله ، نتعاونُ ، نتحاوَرُ ، نتزاورُ ، نتواصَلُ مع بعضِنا ، لكنْ بلا إفراط .. قـد نختلِفُ أحيانًا ، لكنَّ هـذا لا يُفسِـدُ عِلاقَتَنا ؛ لأنَّنا لا نُريدُ بها مصلحةً دُنيوية ، بل هِيَ خالِصةٌ للهِ سُبحانه وتعالى ، وما كان للهِ دام واتَّصَـل .
ريـم : لكنْ ما ذنبي أنا ..؟! وماذا أفعلُ وأنا أُحِبُّها بجُنون ..؟!!
أمـل : استمرارُكِ على ما أنتِ عليه قـد يُوقِعُكِ في الحَـرام .
ريـم : حـرام ..!!! أعـوذُ باللهِ مِن ذلك .
أمـل : تعرفين سببَ وقوعِكِ فيما أنتِ فيه يا ريـم ..؟!!
ريـم : لا أعـرِفُ شيئًا يا أمـل .. كَفَى كَفَى : / .
أمـل : بل اسمعيني .. مُشاهدتُكِ للمُسلسلات ، وسماعُكِ للأغنيات ، وكثرةُ غِيابُكِ عن جامعتِكِ وعـدمُ حُضورِكِ للمُحاضرات ، ومُصاحبتُكِ للتَّافِهات ، وعـدمُ تقديرِكِ لقيمةِ الأوقات ، هو الذي أوْدَى بِكِ إلى هـذا .. ولو لم تُحاوِلي الإصلاحَ مِن نفسِكِ ، فسيكونُ مصيرَكِ الدَّمارُ والتَّعَبُ طوالَ حياتِكِ .
ريـم : وهل انتهيتِ مِن إلقاءِ مُحاضرتِكِ يا أُستاذة : / ..؟
أمـل : لستُ أُستاذة ، ولم أنتـهِ بعـد .. كثيرًا ما نصحناكِ بالمُحافظةِ على وقتِكِ وعـدمِ تضييعِهِ في أمورٍ تافهةٍ لا تنفعُكِ في دُنياكِ ولا أُخراكِ ، لكنَّكِ لم تستجيبي .
ريـم : وما العملُ إذًا ..؟!!
أمـل : العملُ أنْ تأخُذي بنصائِحنا ، وأنْ تجعلي حُبَّ اللهِ - عَزَّ وجلَّ - وحُبَّ رسولِهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - فوقَ كُلِّ حُبِّ .
ريـم : سأُحاوِلُ بإذن الله . لَكِنِّي قَصَدتُ رحـاب .
أمـل : اجعلي حُبَّكِ لها حُبًّا خالِصًا للهِ عَزَّ وجلَّ ، لا يَشُوبُه ما يُعَكِّرُ صَفْوَه . كُوني مُتَّزِنَةً في مشاعِرِكِ وفي حُكمِكِ على الآخَرين . واهتمِّي بدراسَتِكِ . وإنْ وَجدتِ عندكِ وقتَ فراغٍ ، فحاولي إشغالَهُ بالنافعِ المُفيدِ لَكِ في دينِكِ ودُنياكِ ؛ كحِفظِ القُرآنِ الكريمِ ، والقراءةِ في كُتُبِ العِلمِ النافعة ، أو المُشاركةِ في المُنتدياتِ الإسلاميَّةِ النّسائيَّة . ونحنُ نسعـدُ بتركِكِ لِصُحبةِ السُّوءِ ، وبوجودِكِ بيننا أنـا و رحـاب و نـدَى و وفـاء .
ريـم : يا لَها مِن صُحبةٍ طَيِّبةٍ تتوقُ نفسي لها ..! سأُحاوِلُ الأخـذَ بنصيحَتِكِ قَـدْرَ استطاعتي . وأشكُرُكِ يا أمـل على رَحابةِ صدركِ وعلى نصائِحِكِ . جزاكِ اللهُ خيرًا .
أمـل : آميـن ، وإيَّاكِ يا حبيبـة .
هل أعجبك الموضوع ..؟ هل استفدت منه ..؟ هل تتفق أو تختلف مع محتواه من وجهة نظرك ..؟
ننتظر منك تعليقك هنا أسفل الموضوع
0 comments:
Post a Comment
( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )